الطيب صالح: موسم الهجرة إلى الشمال



أسلوب روائي غاية في المتعة والتشويق، وتشبيهات واستعارات ورموز تجعلك تلتهم السطر تلو السطر حتى نهاية الرواية، وتداخل أحداث سلس ومشوّق.

لن يكون بإمكاني بالطبع كتابة مراجعة متكاملة لهذه الراواية، كوني وافدا جديد تماماً إلى عالم الروايات ولم اقرأ منها إلا القليل فقط، و ثانياً هذه الرواية من النوع الدسم أدبياً ولا يسهل الأحاطة بكل عناصرها. وبالتالي فإن ما ساكتبه هنا ما هو إلا رأي شخصي متواضع ومتحمس للغاية :) 

بلا شك، يمتلك الطيب صالح أسلوباً روائياً غاية في الروعة والجذب. لم أعلم كيف بدأتُ الرواية وكيف انتهيت من قراءتها بسرعة خارقة (قليلة هي الكتب الطويلة نسبياً والتي انهيها في جلسة أو اثنتين فقط). أسلوب السرد الساحر يجعلك بالفعل تعيش أحداث الرواية لحضة بلحظة وموقفاً تلو آخر. ستنسى لبرهة أنك تقرأ نصاً عادياً في غرفة أو مكان ما، إذ ستنقلك الرواية إلى اجواءها الغنية بكل تفاصيلها حتى لتشعر أنك مُلم بأدق تفاصل المكان والحوار. التشبيهات، والرموز، والصفات، والأماكن، والشخوص كلها تجانست مع بعضها البعض بطريقة غاية في الروعة والمتعة. ستشعر بنسمات النيل الباردة وبرودة ماءه على كتفيك، وستشم  رائحة الصندل والأثاث القديم ورائحة أشجار البرتقال والليمون، وستسمع صوت "بنت مجذوب" الذي يدنو من صوت الرجال. ببساطة وعفوية، لن يتوقف ذهنك عن رسم الصور الحقيقية والتخيلات للقرية الواقعة على ضفاف النيل، وعندما ينقلك بعيداً عن أجواء القرية إلى صخب الحانات في لندن واحاديث سكانها وسلوكهم بكل هذا بشكل سلس ولا شعوريّ تماماً.حتى الصور المؤلمة (أو الإباحية أحيانا) التي استخدمت في بعض المواضع إنما أُريدَ منها بيان الواقع كما هو ولتحكم عليه انت قارئ الرواية، ثم انها لم تكن بتلك المبالغة أو الابتذال.  ستدخل عالم الرواية بطريقة مدهشة، وهذه هي المتعة الحقيقة.  

تتداخل أحداث الرواية كثيرا بشكل غير منظم وغير متوقع وهذا الأمر ليس مزعجاً البتة كما يبدو، بل العكس: أضاف جواً سرديا جميلاً على الرواية إضافة إلى الانتقالات الزمنية المتتابعة بطريقة انسيابية ولا شعورية. 

عليّ أن أعترف بأنني تعلّقت عاطفياً  بهذه الرواية، ربما لشعوري بأن معظم ما مادار من أحداث في تلك القرية على منحنى النيل يشبه كثيراً (بشكلٍ أو بآخر) ما يحدث في القرية الواقعة على ضفة جدول من جداول الفرات، حيثُ كنت أعيش. حتى الشخصيات بدت لي مألوفة تماماً. 

قراءة واحدة لهذه الرواية الرائعة بالتأكيد لن تكون كافية، وسأقوم بقراءتها لاحقاً فهناك بعض الرموز والأحداث التي لم أستطع ربطها ببعضها. كم أتمنى الآن أن اقرأ نسخة من موسم الهجرة إلى الشمال، مستلقياً على شاطئ النيل.. أو الفرات ربما. ستكون أمنية صغيرة تافهة معلقة ضمن أماني أخرى كثيرة. 
شارك التدوينة على:
Facebook Twitter Google StumbleUpon LinkedIn Pinterest

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق