"الجهل" لـميلان كونديرا: عن الاغتراب والحنين والعودة للوطن




قرأتُ الكثير عن مؤلفات كونديرا في الفترة الأخيرة ولا أدري بالضبط لماذا وقع اختياري على هذه الرواية بالذات للبدء بالتعرف على هذا الروائي المبدع ومطالعة أعماله، عنوان الرواية المختزل والغريب في آن ربما لعب دوراً هنا. للوهلة الأولى تبدو الرواية وكأنها تعالج موضوعاً إنسانياً عميقاً ومحيراً.

الانطباع الأولي الذي سيخرج به أي قارئ لهذه الرواية حال انتهاءه من قرائتها هو أنّ ميلان كونديرا يمتلك  قدرة كبيرة و مرونة بالغة على اختزال أفكار ومضامين عميقة بكلمات بسيطة وسطور مختصرة ومع ذلك تتدفق هذه الأفكار كاملة إلى ذهن القارئ بانسيابية مثيرة. 

يغلب على الرواية جوّ الغرابة والمصادفات المتتابعة ولا يطغى فيها أي جاني سردي أو حواري. الشخصوص بدت غامضة هي الأخرى و متفرقة جمعتها المصادفات والأحداث العابرة وعلى محطات متفرقة، ووسط تتابع هذا الزخم تنتبه هنا وهناك إلى افكار مدهشة تشدك بقوة وتذهب بفكرك بعيداً، بعيداً جداً. الملخص الذي ستخرج به عند انتهاءك من قراءة هذه الرواية هو أنَّ شعورك بالحنين إلى وطنك الذي غادرته مكرهاً  هو ذاته المعناة من الجهل: الجهل بصورة الخائن والهارب التي سيكونها عنك سكان مدينتك، الجهل بزوال كل ما هو جميل في بلدك حال عودتك إليه بعد سنين إلى حد يتجاوز تفكيرك، الجهل بمدى الخراب والدمار النفسي الذي لحق بسكان بلدتك بسبب الحروب، والجهل باستحالة عودتك إلى موطنك بالتكوين والتشكيل الذي غادرته به. في اللحظة التي تقرر فيها مغادرة وطنك وتقوم بذلك فإنك لن تعود إلى وطنك كما كنت مطلقاً. شعورك بحنين لا نهائي إلى وطنك يعني حتماً شعورك بألم الجهل اللانهائي.  



شارك التدوينة على:
Facebook Twitter Google StumbleUpon LinkedIn Pinterest

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق