ريتشارد كيرني: جدل العقل - حوارات آخر القرن


يضم هذا الكتاب بين دفتيه مجموعة من الحوارات اجراها الكاتب والفيلسوف الايرلندي ريتشارد كيرني مع مجموعة متنوعة من الأدباء والمفكرين والفلاسفة المعاصرين من مختلف البلدان والخلفيات القومية والفكرية منهم بورخيس وادوارد سعيد وامبرتو إيكو وجاك دريدا. تنوعت مواضيع الحوارت ما بين الهوية والعلاقة مع الآخر، ومناقشات حول معالم من التاريخ الأوروبي، وتأويل الثقافات الأوروبية، والتبادل الثقافي والسياسي بين الأمم الاوروبية، بالإضافة الي الهوية والإنتماء وهي القضية التي نالت النصيب الأكبر من الحوارات. 

الترجمة جيدة وتجعل القراءة ممتعة، ولكن يبنغي للقارئ أن يلم بخلفية ثقافية أوروبية وخلفية فلسفية معاصرة قبل أن يشرع بقراءة هذا الكتاب حتى يستمتع بجمال الأفكار الواردة فيه ويقابلها بنقده الخاص. 

بعد انقطاع طويل: ما يهم هو العودة للتدوين



مرّت أكثر من سنة منذ أن كتبت آخر تدوينة هنا، وقت طويل نسبياً، وبسب ما حدث في هذه الفترة شعرت وكأنها خمساً. قرأت بعض الكتب الدسمة، تعلّمت بعض المهارات الجديدة (وأهملت أو نسيت أخرى)، أنهيت البكالوريوس بلا أيّ مجهود يذكر، قضيت وقتاً أكثر مع أصدقاء وزملاء الدراسة على غير العادة، ألغيت بعض الصداقات واستبدلتها بأخرى، والآن أدرس الماجستير في ألمانيا. 

ليس هناك أعذار أقدمها لهذا الانقطاع، وأنا شخصياً لا أحب اختلاق الأعذار أو حتى الاعتراف بوجودها. الانشغال ليس عذراً، الخمول وغياب الأفكار ليس عذراً بالطبع. كل ما في الأمر هو فتور الهمّة، لم يكن هناك "دافع حقيقي" لكي أواصل التدوين في السنة التي مضت، وهذا شيء لا استطيع أنا تفسيره ولذلك لن أتخذه كعذر. أدركت بعد هذا الفتور أن علي أن اسأل نفسي مجدداً: لماذا أدوّن؟ وأن أجيب على هذا السؤال بصراحة. أنا أدوّن لكي اشارك أفكاراً جديدة أفادتني ولعلها تكون ذات فائدة للآخرين، وهذا الأمر هو جزء هام من شخصيتي. بالإضافة إلى ذلك، التدوين كنشاط فكري يجعلني أفضل فكرياً ونفسياً وهو بذلك يشكل جزءأ أساسياً هويتي . لهذه الأسباب لا يجب أن اتوقف عن التدوين، حتي وإن كان على فترات متباعدة. 

شكراً جزيلاً للمدون عبد الله المهيري الذي ألهمني بكتابته عن الهمة والفتور، كدرس من دروس التدوين التي عرضها في مدونته. 

هناك الكثير لكي أكتب عنه في الأيام والأسابيع القادمة. 

المهم هو العودة للتدوين. 

تيري إيجلتون: معنى الحياة



ما هو المعنى الحقيقي لخيبة الأمل؟ أن تقرأ كتاباً يحمل عنواناً كبيراً للغاية مع محتوى مختزل وغير واضح للغاية. 
على الرغم من أن تيري إيجلتون يعترف في بداية الكتاب بأن الكتابة الرصينة في مثل هذا العنوان هي بحد ذاتها تحدّ كبير لم يجرأ على خوضه إلا القليل، إلا أنه أوهم القارى بأنه سيكون مختلفاً عن هؤلاء البقية بصورة أفضل، ولكن للاسف لم يوفق تماماً في عرضه للموضوع الذي أشغل الفلاسفة والمفكرين، على الأقل من ناحية تناسق المواضيع الجزئية. 

بدا المحتوى وكأنه متاهة فكرية محيرة: أفكار كثيرة متداخلة في مواضيع  غير مرتبة زمنياً وأحداث غير مترابطة. بدى الكتاب وكأنه فوضى عارمة عن معنى الحياة. هل الحديث عن مواضيع عميقة جداً كمعنى الحياة ينبغي أن يكون بهذا الالتناسق واللاتراتب؟ لا أدري، ولكن المؤكد أنه من الممكن عرض الموضوع  بشكلٍ أكثر تتابعاً وتناسقاً. 

قد يكون هذا الكتاب مقدمة فلسفية جيدة للمبتدئين، فهو بالتأكيد لن يذهب بك عميقاً إلى حد التيه ولن يجعلك راكداً على السطح في ذات الوقت فهو يشجعك على البحث أكثر في مذاهب الفلسفة عندما يعرض لك بعضاً من أفكار سارتر ولودفيج فيغشتين وآرثر شوبنهاور وأرسطو. 

ليس باستطاعتي إعطاء تقييم نهائي سلبي للكتاب وذلك بسبب النزعة النقدية المحترفة التي صبغت محتواه -فالكاتب ناقد أدبي بارع وهو بروفيسور اللغة الإنجليزية بجامعة اوكسفورد- ولأنه يدفعك إلى التفكير المعمق وتكوين فكرتك الخاصة عن الموضوع (وهذا بالطبع يتطلب قراءة متأنية وطاقة استيعاب ليست بالقليلة)  ولكنه مختصر بشكل يتجاوز المطلوب، وهذا ما يجعل تجربة القراءة صعبة وغير مشبعة، ربما للمبتدئين مثلي على الأقل. أعتقد بأن هناك كتباً تعرض هذا الموضوع بشكل أفضل من ناحية التسلسل والتوسع في عرض جوانب أخرى له.

 يُقرأ بتروٍّ وشغف وبدونهما ستضيع وقتك، أو الأسوء ستفوّت بعض المغامرة الفكرية. 

"الجهل" لـميلان كونديرا: عن الاغتراب والحنين والعودة للوطن




قرأتُ الكثير عن مؤلفات كونديرا في الفترة الأخيرة ولا أدري بالضبط لماذا وقع اختياري على هذه الرواية بالذات للبدء بالتعرف على هذا الروائي المبدع ومطالعة أعماله، عنوان الرواية المختزل والغريب في آن ربما لعب دوراً هنا. للوهلة الأولى تبدو الرواية وكأنها تعالج موضوعاً إنسانياً عميقاً ومحيراً.

الانطباع الأولي الذي سيخرج به أي قارئ لهذه الرواية حال انتهاءه من قرائتها هو أنّ ميلان كونديرا يمتلك  قدرة كبيرة و مرونة بالغة على اختزال أفكار ومضامين عميقة بكلمات بسيطة وسطور مختصرة ومع ذلك تتدفق هذه الأفكار كاملة إلى ذهن القارئ بانسيابية مثيرة. 

يغلب على الرواية جوّ الغرابة والمصادفات المتتابعة ولا يطغى فيها أي جاني سردي أو حواري. الشخصوص بدت غامضة هي الأخرى و متفرقة جمعتها المصادفات والأحداث العابرة وعلى محطات متفرقة، ووسط تتابع هذا الزخم تنتبه هنا وهناك إلى افكار مدهشة تشدك بقوة وتذهب بفكرك بعيداً، بعيداً جداً. الملخص الذي ستخرج به عند انتهاءك من قراءة هذه الرواية هو أنَّ شعورك بالحنين إلى وطنك الذي غادرته مكرهاً  هو ذاته المعناة من الجهل: الجهل بصورة الخائن والهارب التي سيكونها عنك سكان مدينتك، الجهل بزوال كل ما هو جميل في بلدك حال عودتك إليه بعد سنين إلى حد يتجاوز تفكيرك، الجهل بمدى الخراب والدمار النفسي الذي لحق بسكان بلدتك بسبب الحروب، والجهل باستحالة عودتك إلى موطنك بالتكوين والتشكيل الذي غادرته به. في اللحظة التي تقرر فيها مغادرة وطنك وتقوم بذلك فإنك لن تعود إلى وطنك كما كنت مطلقاً. شعورك بحنين لا نهائي إلى وطنك يعني حتماً شعورك بألم الجهل اللانهائي.  



العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله: أيها الأحبة




الكتاب عبارة عن حوار شامل لسلسلة مواضيع مختلفة أجراه الشيخين يوسف عباس ومحمد عمير مع السيد فضل الله في العام ٢٠٠٠ و نشرت في العام ٢٠١٠ بعد إذن ابنه السيد جعفر فضل الله. جملة من المواضيع التي سُئل عنها السيد فضل الله كانت عن رؤيته للموت والانتقال إلى الحياة الأخرى، والتسامح والمسؤولية وتوجيه الطاقات نحو أهداف ربانية سامية وقضايا الحوار والاختلاف مع الآخر. محتوى الكتاب كان صغيراً في عدد صفحاته الذي لم يتجاوز الستين صفحة ولكنه كان عظيماُ في نوعية الأفكار والقضايا التي تضمنها. 

تشعر بعظمة وسمو نفس هذا الإنسان عندما تقرأ عباراته التي تنم عن إخلاص وتفاني لا محدود في خدمة الرسالة الإسلامية وتوحيد المسلمين، وصفاء قلبه ونقاء سريرته حتى تجاه أولئك الذين ظلموه وتعرضوا  له وما زالوا يفعلون حتى بعد وفاته رضوان الله عليه.

على صغر هذا الكتاب واختصار محتواه إلا أنه يقدم صورة حقيقية وملهِمة عن حياة شخصية عظيمة في العالم الإسلامي نالها ما نالها من التشويه والحقد والهجوم بنوعيه الفكري والجسدي، فحياة مليئة بالكفاح والتفكر والعمل الخيري والمقاومة والإنسانية اللامحدودة لا يمكنها إلا أن تلهمك وتضفي عمقاً هائلاً على تكوينك الفكري والديني والإنساني. 

في معنى أن تكبُر سنة [تدوينة شخصية]




يصادف اليوم عيد ميلادي الثاني والعشرون. لا أميل عادة إلى كتابة تدوينات شخصية ولكن ألحَّ عليّ بشدة هذا السؤال: ماذا يعني أن يكبر الواحد منّا سنة؟ 

كل مناسبة أو ذكرى تمر علي سواء كانت رأس السنة الميلادية أو الهجرية، الأعياد على اختلافها، والمناسبات السنوية على تنوعها كلها تجعلني أتأمل طويلاً في السؤال: كيف كانت سنتي الماضية و ماهو تقييمي العام لها وأين أقف الآن؟ أعتقد أنني الآن بحاجة إلى تحديد مناسبة مرجعية موحدة للقيام بمثل هذه المراجعات، وعيد ميلادي يبدو الخيار الأفضل. 

كنت مشغولاً بهوس وعلى فترات متقطعة خلال السنوات الخمس الماضية بإجراء هذه التقييمات  بناءً على عوامل متغيرة وذات أبعاد غير واضحة تماماً. ليس من السهل إجراء تقييم شامل للخمس سنوات الفائتة كما هو الأمر تماماً عند إجراء تخطيط شامل للخمس المقبلة. أجد أن الأمر اكثر عملانية عندما اجري تقيميمات سنوية على مدى ثابت.


من الأمور الرائعة التي حققتها خلال العام الفائت هو أنني نسبياً محيت الملل من قاموس حياتي وبدأ هذا المعنى بالتلاشي تدريجياً ببساطة عندما حدّدت مصادره وأزلتها، وتعلمت بعض المهارات المتقدمة في مجال دراستي أطمح بشغف لتعزيزها وتطويرها أكثر، والأهم من كل ذلك هو أن مدى أهدافي بات أكثر وضوحا وثباتا- أستطيع الآن بثقة التعرف على المهارات والأدوات التي ستجعل من تحقيق أهدافي أمراً سهلاً وممتعاً. 

خلال السنة المقبلة، أتطلع إلى صياغة أهداف كبيرة على الطريق والتحقق منها باستمرار، وقراءة المزيد من الكتب في مجالات علمية وثقافية معمقة وقد يكون هذا هو الوقت المناسب لدراسة الفلسفة و علم النفس وعلم الاجتماع ذاتياً بجدية أكثر والتزام متواصل أو ربما تعلم لغة جديدة من الصفر.  سأقوم أيضاً بالتخلص من بعض العلاقات الغير مجدية (لأصحبها أولاً ولي ثانياً).

مقاييس النجاح لا يجب أن تُحدّد بعد الآن بالمعدل التراكمي في الجامعة أو درجات المقررات الدراسية وما شابهها. مقاييسي الجديدة للنجاح سقوم على استغلال اليوم واللحظة، و بمقدار الكتب الجديدة التي ساقرأها والأشخاص الجدد الذين سينضمون إلى قائمة الاصدقاء المقربين. لا يجب أن أنسى إعادة توطيد الصداقات القديمة وبث الحياة فيها بعد خمول طويل. حان الوقت أيضاً للتخلص من الضجيج الاجتماعي والفكري الذي بات مصدر تشويش دائم، لا يعني ذلك بالضرورة قطع بعض العلاقات بل إعادة ترتيبها حسب الأولوية.

مواصلة دراستي العليا بنفس الشغف والحماس السابقين سيكون تحدٍَ جديد خلال العام، دراستي الجامعية الحالية باتت هي المصدر الأول للملل الذي لا يُحتمل. كيف يمكن أن يقضي الواحد على الملل إذا لم يقضي على مصدره؟ :) 

أن تكبر سنة  يعني ببساطة أن تتعلم وتتطور بنهم ليس له حدود وأن تلتزم بثبات بوضع أهداف كبيرة على الطريق.  

سبنسر جونسون: الهدية




ربما يتوجب عليّ لاحقاً كتابة تدوينة منفصلة عن كيف أنّ  كتب التنمية الذاتية تحمل نفس المضمون والغرض تماماً مع اختلاف طريقة العرض والحشو، قبل أن أكتب مراجعة لأي كتاب في هذا المجال.

هذا ما يمكن استنتاجه بعد قراءة مجموعة لا بأس من أفضل كتب التنمية الذاتية وأكثرها مبيعاً على مستوى العالم، وهذا الكتاب هو أحدها. بعد قراءة هذا الكتاب تحديداً، ساقرأ كتب التنمية الذاتية (مهما كانت شهرتها وقيمتها وخبرة مؤلفيها) كقراءة الكتب الأدبية تماماً، أي من أجل الحصول على المتعة والترويح عن النفس في المقام الأول ومن ثم الحصول على الفائدة الموعودة في المقام الأخير. وبالمناسبة، قراءة كتب التنمية الذاتية ستتطلب المزيد من الصبر والحكمة لمن يقرأ في هذا المجال بشكل دوري، حيث ستجد الكثير والكثير من تكرار الأفكار، والتعليمات المعلبة، وببساطة قد تردد مع نفسك: "ما الجديد هنا؟". ربما هذا هو ما يُعرف  بحد التشبع. في الواقع ليس هناك ما هو ثوريّ أو خارق في أي كتاب تنمية ذاتية، الشكل و طريقة العرض فقط هما ما يعطي هذه الكتب قيمتها الظاهرية واستحسان قراءها المتعطشين للوصفات الجاهزة واشادتهم المبالغ فيها غالباً.

المهم، يحكي هذا الكتاب الصغير الحجم والكبير الفائدة قصة قصيرة ورائعة ذات أربعة أبعاد رئيسية تلخّص معنى النجاح في الحياة والوصول إلى الاهداف: التركيز على الحاضر، التعلّم من الماضي، التخطيط للمستقبل ومعرفة ما الذي تريد انجازه حقاً، أي انتقاء اهداف واضحة. اسلوب سرد القصة كان ممتعاً وجذاباً كما عٌرف عن سبنسر جونسون في بقية كتبه الخفيفة والممتعة،الأمر الذي يمكّنك  بسهولة من فهم المعنى والدرس من فصول قصته القصيرة ذات المغزى. ليس هناك من داعٍ إذاً لكتابة ملخص لكتاب يتألف من 60 صفحة من القطع الصغير يمكن قرائته في ساعة أو اقل.

إنه بسيط، خفيف، عمليّ، ويستحق القراءة. تجربة رائعة ستضاف إلى معرفتك عن النمو المستمر والنجاح، تجربة واقعية، مقنعة وغير مفرطة في المثالية.